حلـم من طفولتي
لا زلت أذكرها !!.. تلك الطفلة الصّغيرة المرحة عند خروجها من باب المدرسة مع أسراب اليمام بمريلتها الزرقاء وخصلات الشعر المربوطة على جانبي الرأس تتراقص مع الأشرطة البيضاء
مسرعة إلى حديقتها – كما كانت تسميها – في مكانه السريّ الموجودة وسط الطريق ما بين المدرسة والبيت خلف غرفة مولّد كهرباء الحيّ الّذي لن يفكّر أحد بالبحث فيه والعبث بحلمها الجميل
لا زلت أستطيع تذكّر مظهرها المضحك وهي جالسة القرفصاء ما بين الحشائش بانغماس شديد وحبّ كبير لما تقوم به وبجدّية غريبة وقدميها ويديها متسخة بالتّراب هي وصديقها الوحيد عبد الرحمن الذي شاركته سرّها فأخذا معاً يحاولان قطف الزّهور لإعادتها للحياة
كان هذا معتقدي وسرّي كنت أظنّ أن قطف الزهرة من منبتها وإعادة زراعتها بتشكيل معيّن يجعلنا نحصل على زهور أجمل فوضع زهرتين مختلفتين قرب بعضهما البعض في نفس الحفرة من الأرض يعطي زهوراً من نوع جديد لم يسبق أن كان موجوداً
وحتى أني كنت أعمل بجهد على تنويع الألوان لظنّي أن الفراشات ستتلون بألوان زهوري وهكذا تكون حديقتي فريدة بأشكالها وألوانها.. حديقة من زهور وفراشات أنا صنعتها وبهذا تكتمل سعادتي ويكتمل عالمي الصغير الذي بنيته في الخيال ..
وكنت أنا وصديقي نتناوب لنسقي الحديقة وكنا نبتعد قليلا بحثا عن زهور نقطفها لمزيد من الإنتاج وكم كنت أبكي فيحزن عبد الرحمن لبكائي عندما أرى زهوري ذابلة و لا أفهم سببا لهذا إلا أني زاوجت أنواعاً لا تقبل التزاوج بينها وهكذا أخسر زهورا جديدة وفراشات لن تأتي وأبكي بحرقة ويواسيني عبد الرحمن بأننا لن نستسلم وأننا سنبحث عن زهور أقوى وألوان جديدة وهكذا يطمئني فتعود ابتسامتي من جديد لعودة عالمي في خيالي إلي لأتخيّل فراشات تطير وعلى زهوري الملونة التي ابتكرتها تقف هنيهات تستريح لتعاود بعدها في حديقتي التحليق وأودع عبد الرحمن وأعود لمنزلي وأنا لازلت محلّقة مع زهوري وفراشاتي في عالمي .
منذ ذاك الوقت وإلى يومي هذا وسنين طوال و لا زلت أبحث في داخلي عن هذا العالم وأحنّ إليه دوماً وإليه أرحل هرباً وتعباً وكثيراً من الأحيان ألماً .. أجد دوماً فيه سلامي وسكني .. جنتي الممتلئة بالفراشات والأزهار
عالم أملك فيه أجنحتي الخاصة أشارك الفراشات فيه الطّيران وأتوسّد الزهور والأحلام
عالم يخفق له قلبي كخفق جناح الفراشة و تمايل وريقات زهرة فتهيم روحي معه حالمة بتحليق و انعتاق
_________________________
بقلم :: رنيـم شـاكر أبو الشـامات
August 21, 2013
مقـالات متخصصة في الفكر وتطوير وتنمية الذات بقلم رنيـم شـاكر أبو الشـامات
0 التعليقات:
إرسال تعليق