◊ الحركة الثالثة : الرفع للاعتدال
نلاحظ عند اتخاذ الجسم للوضع الرأسي على استقامته الكاملة أن عضلات الظهر تلعب دورا أساسيا في تحقيق عملية الرفع من الركوع لانتصاب القوام، بالإضافة إلى عمل المجموعات
العضلية الأخرى المشتركة في الاحتفاظ بوضع الحركة الأولى في الصلاة ( القيام والتكبير ) .
♦ تأثيرات الرياضة العضلية في الرفع:
عند القيام بحركة الرفع من وضع الركوع تصبح عضلات الجدار الأمامي للبطن في حالة بين الانقباض والانبساط بينما تسترخي منطقة التقاء البطن بالطرفين السفليين فتتخلص من الضغط
الواقع عليها، مما يساعد ذلك على تقليل الضغط داخل التجويف البطني بدرجة ملحوظة ، ونتيجة
لردّ الفعل التلقائي تحت تأثير الجاذبية الأرضية تهبط عضلة الحجاب الحاجز لأسفل فتسبب اتساعا في جوف الصدر، مما يؤدي إلى الحصول على شهيق عميق لا إرادي ، يعقبه زفير لا يقل عنه قوة ، ونتيجة لذلك تندفع الدماء من تجويف البطن وبقية أجزاء الجسم إلى ناحية القلب.
ونظرا لأن درجة الضغط في تجويف البطن أقل من درجة الضغط الجوي، بينما درجة الضغط في الصدر تكون أعلى منه، فإنّ تدفق الدّم إلى الصدر يقلّ، وهنا تتسع الفرصة للدماء المحتقنة في
الطرفين السفليين للاندفاع بسرعة إلى أوردة تجويف البطن نظرا لاسترخائها ومنها تتجه الدماء بقوة إلى عضلة القلب.
◊ الحركة الرابعة: النزول للسجود
لهذه الحركة خصوصية فهي تجعل المصلي في وضعٍ أقرب ما يكون من المولى عزّ وجلّ بقوله سبحانه وتعالى: (( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )) الآية 19 – سورة العلق. وبذلك يكون وضع السجود هو أفضل وأعظم أوضاع الصلاة احتراما وتقرّبا إلى الخالق الغني عن العالمين.
إنّ حركة النزول من الوقوف للسجود هي حركة مفاجئة، لها صفة الانسيابية والسلاسة في الأداء، يشترط فيها أن تبدأ من وضع الوقوف باعتدال، ثم ينزل المصلّي بجسمه مرّة واحدة على الأرض عن طريق ثني جميع مفاصل جسمه، واضعا يديه على الأرض أولا قبل ركبتيه مع توزيع وزن الجسم لارتكازه على سبعة أعضاء هي: أطراف أصابع القدمين وخاصة الإبهامين، مفصلي الرّكبتين ، الكفان ، الجبهة مع الأنف.
(اضغط على الصورة للتكبير)
♦ تأثيرات الرياضة العضلية:
1- إنّ تكرار أداء حركة السجود في الصلوات الخمس يوميا بحدٍّ أدنى (34مرّة) يعتبر مناسباً تماما في زيادة تنشيط معظم العضلات والأربطة بالجسم، والمحافظة على درجة مرونة المفاصل، وخاصة العمود الفقري والفخذين والركبتين والقدمين فيكون السجود بمثابة تمرينات يومية للوقاية والعلاج من أوجاع المفاصل والانزلاق الغضروفي والتهابات عصب النسا وتصلب الكتف والآلام الروماتزمية.
2- ولوضعية السجود تأثيرات على نشاط الدورة الدموية، لأنها في هذا الوضع تعمل باتجاه الجاذبية الأرضية الذي حرمت منه نتيجة لاستمرار اتخاذ الإنسان لوضع الانتصاب الرأسي معظم فترات اليوم، وبذلك يتدفق سير الدّم في سهولة من أعلى إلى أسفل في وضع السجود.
(اضغط على الصورة للتكبير)
3- كما أنّ حركة السجود تقوم بتنشيط للمضخة الوريدية بالبطن إلى أقصى درجة ممكنة ، و إلى زيادة قدرة مضخات أوردة الساقين على تفريغ الأوردة السطحية من الدّم، ودفعه إلى الأوردة العميقة مما يؤدي إلى مكافحة الإصابة بالتهابات أوردة الطرفين السفليين، وعدم الإصابة بدوالي الساقين، أو على الأقل تخفيض ضررها إلى الحدّ الأدنى .
4- كذلك و نتيجة لانقباض وشدّ العضلة المستقيمة الظهرية على طول امتداد العمود الفقري ، ومع شدّ العضلات العريضة الظهرية أيضاً تعتصر الدماء بداخل أنسجتها مندفعة بغزارة إلى الأوعية الدموية الكبرى التي تتخذ مستوى أعلى من مستوى عضلة القلب أثناء وضع السجود، بالإضافة إلى أنّ وضع السجود يُحدث انقباضاً نسبياً في عضلات جدار البطن الأمامية مسبباً زيادة درجة الضغط داخل تجويف البطن، مما يؤدي مع مساعدة الجاذبية الأرضية إلى سهولة وسرعة سحب الدّماء من تجاويف الأوردة الكبرى واتجاهها ناحية القلب.
◊ الحركة الخامسة: الرفع الأول للجلوس ( الجثو )
أنّ هذه الحركة تتكرر بين كل سجدة وأخرى ، وعند القيام بها لاتخاذ وضع جلوس الجثو على الركبتين ، يبدأ المصلي بدفع الأرض باليدين مع رفع الرأس والجذع عالياً بهدوء حتى يصبح النصف العلوي من الجسم منتصباً في الوضع الرأسي، ليشكل مع النصف السفلي من الجسم زاوية قائمة، بحيث يستقر تماما كل من عظم الفخذ الأيسر فوق عظام الساق اليسرى، وعظم الفخذ الأيمن فوق عظام الساق اليمنى، وبذلك يحدث انثناء تام لمفصلي الركبتين، بينما تصل زاوية مفصلي الفخذين ( 90 درجة ).
وخلال هذه الوضعية يكون ارتكاز ثقل وزن الجسم بصفة أساسية على أطراف أصابع القدمين ومفصلي الركبتين. بينما يتخذ باطن كف اليد اليمنى موضعه فوق الفخذ الأيمن، وباطن كف اليد اليسرى فوق الفخذ الأيسر مع مراعاة استرخاء عضلات الذراعين والكتفين.
(اضغط على الصورة للتكبير)
♦ تأثيرات الرياضة العضلية:
بمجرد تغيير وضع الجسم من السجود إلى جلوس الجثو يحصل المصلي على شهيق عميق بطريقة أتوماتيكية ، مما يساعد في زيادة معدل التهوية الرئوية، وفي نفس الوقت ينشط عمل كل
من المضخة الوريدية الصدرية، والمضخة البطنية لتعمل كل منهما بأقصى طاقة ممكنة.
كما أن اتخاذ المصلي لوضع جلوس الجثو يعمل على زيادة الضغط الواقع على عضلات الساقين مما يسبب اعتصار الأوردة الدموية السطحية وتخليصهما من الاحتقان الدموي عن طريق دفع أكبر كمية من الدم إلى الأوردة العميقة بالساقين، وبناء على ذلك تنخفض درجة الضغط الوريدي على ظاهر القدمين والساقين عند مقارنتهما بدرجة الضغط الواقعة أثناء الوقوف.
◊ الحركة السادسة: السجود والرفع الثاني للقعود :
كل ما سبق كان بالنسبة لوضع الجلوس الأول .. أما تكرار عملية الجلوس فهو تأكيد على زيادة التخلص من بقية الدماء المحتقنة بأوردة الساقين وتقليل درجة الضغط الدموي على جدران الأوعية الدموية السطحية بالأطراف السفلى.
ولعل هذا ما يفسّر ظاهرة قلة إصابة المسلمين المواظبين على أداء الصلوات الخمس يوميا بحالات أورام ودوالي وآلام الساقين.
(اضغط على الصورة للتكبير)
◊ الحركة السابعة : النهوض من السجود للوقوف:
عقب الانتهاء من وضع السجود الثاني، والرفع لجلوس الجثو للمرة الثانية يبدأ المصلي في النهوض للوقوف باعتدال لاستكمال باقي ركعات وسجدات الصلاة . وكان عليه الصلاة والسلام ينصح المسلمين عند النهوض من السجود للوقوف بقوله الشريف: " لا تجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " (2) .
♦ تأثيرات الرياضة العضلية للحركة
إنّ أهم العضلات المشتركة في أداء عملية النهوض من السجود للوقوف باعتدال هي العضلات والأربطة المضادة للجاذبية الأرضية.
وتعتبر حركة النهوض من وضع جلوس الجثو عقب السجود الثاني من أفضل أنواع التدريبات البدنية وأسهلها في زيادة تنمية مجموعة هذه العضلات والأربطة، وإكساب معظم مفاصل الجسم مرونة ورشاقة، مما يساعد ذلك في المحافظة على سلامة واعتدال القوام.
(اضغط على الصورة للتكبير)
◊ الحركة الثامنة : جلوس التشهد وختام الصلاة
إنّ حركات الصلاة تنتهي دائما في وضع جلوس الجثو لأداء التشهد ثم التسليم، وعند وضع القعود للتشهد وختام الصلاة نجده يتخذ أطول فترة زمنية عن باقي فترات الجثو بين السجدتين، وتعتبر هذه الوضعية من أفضل أنواع التدريبات الطبيعية للوقاية والعلاج من حالات أورام ودوالي وجلطة أوردة وشرايين الساقين .
♦ تأثيرات الرياضة العضلية لوضعية جلوس التشهد:
إنّ التأثيرات العضلية لوضع جلوس التشهد هي نفسها تماما بالنسبة للحركة الخامسة في الصلاة ( الرفع من السجود لجلوس الجثو ) ولكن تزداد فاعليتها أثناء وضع جلوس التشهد.
بالإضافة إلى أنّ حركة التسليم لإنهاء الصلاة عن طريق لفّ الرقبة مرة يمينا وأخرى يسارا إلى أقصى مدى ممكن لإلقاء السلام، تعتبر تمرينا رياضيا مناسبا جدا للمحافظة على درجة مرونة وقوة
مفاصل وأربطة الفقرات العنقية وعضلات الرقبة. بل و زيادة تدعيمها لاتخاذ الوضع الطبيعي، وبذلك
تعتبر حركة التسليم هذه بمثابة عملية صيانة يومية وقائية من أوجاع الرقبة وظهور مشاكلها، وفي نفس الوقت لزيادة التأكيد في القيام بعملها بكفاءة.
(اضغط على الصورة للتكبير)
إنّ الأداء الصحيح لحركات الصلاة يتطلب أن يقوم المصلي بأداء كل حركة لمداها الكامل حتى يجعل كل جزء في جسمه يأخذ موضعه الطبيعي المطلوب حسب صفة صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم وأحاديثه النبوية الشريفة.
تأثير الصلاة على الجهازين العصبي والنفسي:
نلاحظ كثيرا مدى عدم ثبات الحالة الإنفعالية للإنسان، وتغيرها من يوم لآخر، وربما من ساعة إلى أخرى، فنجده متفائلاً حيناً ومتشائماً حيناً آخر، سعيدا يوما أو حزينا ، يحب الحياة والحركة، ويكرهها أوقاتاً أخرى، ولاشك أنّ هذه التغيرات المتباينة للحالة العقلية والنفسية تعتمد على حالة الجهاز العصبي وإفراز الغدد الصم.
والصلاة هي الشيء الوحيد الذي يحافظ على سلامة حالة الإنسان العصبية والنفسية، وتمكّنه من مقاومة حالات الخوف والقلق والغضب ، بل هي الأسلوب الأمثل لعلاج هذه المشاكل بفاعلية أكيدة، لأن تفويض الأمر لله تعالى والاتجاه إلى أداء الصلوات الخمس يوميا يمكّن الإنسان من الحصول على الاطمئنان القلبي وسكينة النفس وقناعة الرضا.
إنّه بمجرد اتجاه المسلم نحو القبلة وبدء الصلاة في خشوع وطمأنينة يمثل رياضة روحية وعقلية تدعو إلى صفاء الذهن، وهدوء النفس، كما أن اللقاء بين العبد والله عند كل صلاة يساعده على الخلوة مع نفسه لمناجاة ربّه، يشكو إليه ويطلب منه العون والمغفرة، ومن خلال تلك المصارحة يصل إلى راحة مؤكدة لكل من العقل والجهاز العصبي المشحونين بالانفعالات من الخوف والقلق، فتتولد عناصر الراحة والاسترخاء والهدوء والطمأنينة التي تنعكس آثارها على أجهزة الجسم المختلفة.
تأثير الصلاة على الجهاز الحركي ( العضلات والمفاصل ):
من الحقائق البيولوجية المعروفة عن تأثير ممارسة الحركات الرياضية على الجسم أنها تزيد من درجة كثافة العظام، ولهذا دور كبير بالنسبة لكبار السنّ الذين تقلّ عندهم كثافة العظام فتصبح قابلة لسرعة الكسر، ومن هنا تظهر أهمية عظمة التكوين الديناميكي لحركات الصلاة التي تستدعي تحريك أكثر أعضاء الجسم ومفاصله، فتؤدي إلى توزيع درجة الكثافة على مختلف العظام والمفاصل، بعد أن أثبتت الدراسات في هذا المجال أن العظام التي تتحرك كثيرا باستمرار تكون أكثر كثافة واحتفاظا بنسبة وجود الكالسيوم فيها من غيرها.
كما أكدت المشاهدات الميدانية أن المسلم الذي يواظب على أداء الصلوات الخمس يوميا منذ مرحلة البلوغ ويصل إلى مرحلة الشيخوخة يكون من النادر جداً أن يشكو من أوجاع الظهر، وآلام المفاصل، والانزلاق الغضروفي، والتهابات عصب النسا، أو تشوهات القوام .. وغيرها من مشاكل الجهاز الحركي.
كذلك اتضح أن المواظبة على أداء الصلوات الخمس يوميا في مواقيتها المحددة ، يصاحبها الكثير من التغيرات التشريحية والوظيفية المفيدة للأنسجة العضلية والأعضاء الحيوية بالجسم ، وتساعد في مكافحة تراكم الدهون حول البطن والأرداف ، وتقاوم ترهل عضلات الجسم، ومضاعفات الشيخوخة، بالإضافة إلى المحافظة على درجة اللياقة البدنية والحركية، وسرعة استعادة الطاقة الحيوية طوال الأربع وعشرين ساعة، وبذلك تعتبر حركات الصلاة من أسهل وأنسب تدريبات الـتأهيل الحركي لإصابات الجهاز الحركي.
الصلاة لتأهيل مرضى الروماتزم وأوجاع الظهر:
◊ الصلاة لمقاومة أوجاع الظهر
لا يوجد أفضل من المواظبة على أداء الصلوات الخمس بمكوناتها الحركية لمقاومة آلام الظهر، لإعطاء الفرصة الكافية لإعادة الأربطة والعضلات لحالة الاتزان الطبيعي وحصول جميع مفاصل الجسم على تغيير أوضاعه، حتى في حالة الإصابة بالانزلاق الغضروفي أو تلف بعض أجزاء عظام الفقرات ، وأيضاً عقب إجراء العمليات الجراحية بالعمود الفقري نج أن حركات الصلاة هي أفضل أنواع برامج التأهيل الحركي الطبي لاستعادة الحالة الطبيعية للجسم، وتكرار مثل هذه التدريبات الرائعة عدة مرات على خمس فترات متباعدة يوميا يؤدي إلى نتائج علاجية مؤكدة وشفاء مرضى الانزلاق الغضروفي وأوجاع الظهر في أسرع وقت ممكن.
◊ الصلاة لتأهيل مرضى الروماتيزم والنقرس
تلعب الرياضة العلاجية وتدريبات التأهيل البدني لمرضى الروماتيزم والنقرس دورا رئيسياً في البرنامج العلاجي الطبي، فهي تعتني بصورة أساسية بالوضع التشريحي السليم للجسم وخاصة المفاصل المصابة، بغرض التأكد من تحريك المريض لها وحثّها على الحركة بشرط عدم تعرضها للإرهاق أو الإصابة بالشدّ الزائد أو الردود المفصلية، ونجد أن حركات الصلاة تعتبر أفضل وأعظم و أنسب هذه البرامج الوقائية والتأهيلية لمرضى الروماتيزم والنقرس على مختلف درجات إصابتهم ، لأنها تحقق نتائج إيجابية أكثر من المطلوب .
الصلاة لتأهيل مرضى السكري:
أعلنت هيئة الصحة العالمية أن مرض السكري هو ثالث أخطر الأمراض البشرية، نتيجة لمضاعفاته المتنوعة العنيفة التي تسبب إعاقة الحياة الطبيعية للإنسان مثل تعرضه للالتهابات العصبية الطرفية، الالتهابات الجلدية، نزيف قاع العين، إلتهاب الكلى، جلطة الشريان التاجي وجلطة المخ، غيبوبة الاسيتون .. وغيرها من تلك القائمة الطويلة من الأمراض. ومن عجائب هذا الداء أنه لا يفرّق في إصابته بين مراحل العمر المختلفة عند كلا الجنسين، حيث أصبح مرض داء السكري واسع الانتشار وخاصة بين متوسطي وكبار السن، وقد اكتشف الاتحاد الأميركي لمرض السكر أنّ حالات التوتر والقلق وقلة الحركة تُمثل جزءاً هاماً من مسببات هذا المرض العصري.
ونظرا لخطورة مضاعفات الداء السكري اتجهت معظم مراكز البحث العلمي وخبراء الرياضة البدنية نحو المساهمة في الوقاية والعلاج من هذا المرض المتشعب المضاعفات، وهذا شيء طبيعي وعادي جدا، ولكن الشيء الجديد في هذا الموضوع هو اتفاق معظم العلماء على فائدة ممارسة الرياضة البدنية المقننة كعامل مساعد لعلاج مرضى السكر، وخاصة بعد أن أكدت نتائج كثيرة من الدراسات الأكاديمية على وجود علاقة إيجابية بين ممارسة برنامج رياضي مقترح وعلاج مرض السكر، بالإضافة إلى أهمية الآثار المترتبة على هذه العلاقة التي أثبت فيها العلماء أنها تتمثل في تحسين وسائل العلاج والتأهيل، وتقليل مدّته، بالإضافة إلى تخفيف حدّة الأعراض المرضية ومضاعفاتها الجانبية، ومنع كثير من المشاكل الصحية الخطيرة على حياة الإنسان.
والتكوين الديناميكي المكاني الزمني لحركات الصلاة الإسلامية مناسبة تماماً لجميع الأعمار، ولمختلف الحالات المرضية ولا تحتاج إلى تحديد جرعاتها التدريبية أو مجرد الإشراف عليها من أحد المتخصصين كما في العلاجات الحركية الأخرى، نظراً لأنها مدروسة ومقننة بعناية إلهية تفوق كل الإمكانات الفنية والطبية للبشر، وبذلك تعتبر المواظبة على أداء الصلوات الخمس يوميا أعظم برنامج رياضي لمقاومة وعلاج مرض الداء السكري نتيجة لمساعدة هذه الحركات الرائعة في تحسين التمثيل الغذائي، واحتراق الوقود المختزن، وتقليل نسبة الكولسترول، و التراي جلسرايد في الدم ، والتخلص من حالات التوتر والقلق النفسي الذي يعتبر من أهم العوامل الرئيسية في ارتفاع نسبة السكر بالدم.
بالإضافة إلى أن المواظبة على أداء الصلاة تؤدي إلى تقليل جرعات الأنسولين وكميات العقاقير المختلفة إلى أقل معدلاتها بشكل ملحوظ .
تأثير الصلاة على الجهاز الدوري:
إنّ المواظبة على أداء الصلوات الخمس يوميا يساعد على زيادة تنشيط وتنظيم الدورة الدموية بصفة عامة، وخاصة في النصف العلوي من الجسم عن طريق زيادة مرور كميات الدم في تلك الأوعية المغذية للرأس، مما يساعد في زيادة قدرته على إنجاز وظائفه بشكل طبيعي مهما كبر عمر الإنسان.
كذلك تجنب حركات الصلاة الإصابة بالذبحة الصدرية، حيث تساعد الدورة الدموية والقلب على سرعة التكييف مع أداء الحركات الفجائية التي ربما يتعرض لها الإنسان كثيرا مثل حالات النهوض للوقوف فجأة بعد فترة جلوس طويل .
وقد أظهرت إحدى الدراسات الطبية أنّ حركات الركوع والسجود الطويل تؤدي إلى تنظيم ضربات القلب وتكسب الشرايين والأوردة المرونة اللازمة، وتقلل من ضغط الدم المرتفع بشكل سريع ومفاجئ في الرأس،وبذلك يعتبر أداء هذه الحركات بمثابة الوقاية الحقيقية والعلاج الأمثل للاحتقانات الدموية بأوردة الساقين والإصابة بجلطة شرايين المخ والشريان الرئوي.
تأثير الصلاة على الجهاز التنفسي:
نظرا لأن الأداء الحركي للصلاة يتطلب من المصلي اتباع تسلسل حركي فريد من نوعه بالإضافة إلى قراءة القرآن والتسبيح فإن كل ذلك ينظم عملية التنفس وعمقه، فيحصل الجسم على كميات وافرة من الأوكسجين ليصل بسرعة إلى الأنسجة ، مع العلم بان حركات الركوع والسجود تعمل على زيادة معدل التهوية الرئوية مما يحقق للإنسان مناعة ضد كثير من أمراض الجهاز التنفسي.
كذلك فإن وضع السجود الطويل يسمح بتفريغ هواء الزفير، وسرعة انحدار التجمعات الزائدة من الإفرازات المخاطية في الشعب الهوائية إلى القصبة ومنها إلى خارج الفم مع البصاق ، ونتيجة لهذه النظافة الرئوية يزداد معدل التهوية الرئوية والاستفادة بأكبر قدر ممكن من الهواء النقي.
وهناك شبه إجماع بين أطباء جراحة الصدر وخبراء الطب الطبيعي والتأهيل على أنه في حالة
حدوث خرّاج بالرئة، أو زيادة وجود السوائل والإفرازات الضارة بالرئتين، يجب على المصاب اتخاذ أحد الأوضاع المشابهة للركوع أو السجود، حتى يصبح الخرّاج في وضع أعلى من مستوى الشعب الهوائية
( الشكل 13 اضغط للتكبير )
بغرض سرعة التخلص من التجمعات الصديدية والسوائل الضارة، والإفرازات المخاطية المتكررة وذلك عن طريق خروجها من الرئتين بمساعدة الجاذبية الأرضية فيسهل انحدارها إلى القصبة الهوائية ومنها إلى الفم لخروجها.
وبذلك نجد أنّ حركات الصلاة هي برنامج يومي للوقاية والعلاج لكثير من أمراض الصدر، وأعظم وأسهل برنامج تأهيلي لأمراض وإصابات الجهاز التنفسي وهو في متناول الجميع ومجاناً.
تأثير الصلاة على الجهاز الهضمي والكبد:
نتيجة لتكرار حركات الركوع والنزول للسجود والنهوض للوقوف يحدث ضغطاً لطيفاً مناسباً على جميع أحشاء البطن فيحدث تدليكاً ذاتياً لمحتويات منطقة البطن كلها مما يساعد على تنشيط الكبد والبنكرياس والمرارة وجدران المعدة وتنظيم الحركة الدودية للأمعاء .. فتتحسن عملية الهضم والامتصاص فيتخلص المصلي من حالات الإمساك ومشاكل القولون، وتراكم الدهون حول البطن والأرداف ، والعديد من متاعب الجهاز الهضمي والكبد.
وقد عرف الأطباء حالياً أنّ النوم عقب تناول الطعام له تأثيرات ضارة في مقدمتها عسر الهضم، انتفاخات المعدة، وظهور الروائح الكريهة في الفم.. ولكن الأكثر من ذلك خطورة هو التعرض لحدوث الذبحة القلبية ، وقد نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف: " أذيبوا طعامكم بالذّكر والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم " (3) . وفي هذا الحديث الشريف حقيقة علمية بالغة الإبداع الطبي لم يعرفها خبراء الطبّ الحديث إلا منذ سنوات قليلة، عندما لاحظوا كثرة ظهور حالات الذبحة القلبية عند كثير من المرضى عقب تناولهم وجبة طعام دسمة ثم النوم مباشرة، فربما يكون المقصود بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فتقسوا قلوبكم ) هو المعنى الطبي الحديث القريب جداً من عبارة ( القسوة ) وهو تصلب شرايين القلب ، الذي غالباً ما يكون السبب الرئيسي لحدوث حالات الذبحة الصدرية. وقد أثبت العلماء المعاصرين وجود علاقة وثيقة بين المعدة واضطرابات القلب، ويطلقون عليها طبياً ما يعرف ( بتأثير المعدة على القلب ) ..
وما هذا إلا تأكيد على الفوائد الصحيّة و الوقائية والعلاجية للمواظبة على أداء الصلوات الخمس في مواعيدها.
إنّ المواظبة على أداء الصلوات الخمس يوميا في مواعيدها المحددة المتباعدة عن بعضها في المساحات الزمنية المقننة، حسب درجة الحيوية البيولوجية للإنسان، تساعد تماما على احترام المواعيد والالتزام الجاد بها، مع استمرارية النظافة الشخصية طوال اليوم، مما ينعكس ذلك على صحة وشخصية، وسلوك وجودة إنتاج الإنسان، والانضباط في مختلف مناحي الحياة والذي نحن
في أشد الحاجة إليه... والله ولي التوفيق
__________________
إعداد :: رنيـم شـاكر أبو الشـامات
March 12, 2011
Resources
ο معجزات في الطبّ للنبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم – الطبيب الأستاذ المرحوم محمد سعيد السيوطي.
ο الصلاة رياضة النفس والجسد – مختار سالم .
ο الصلاة الطهارة والوضوء – السيد سابق .
الهوامـش
(1) رواه الطبري .
(2) رواه أبو داود وصحّحه الدارقطني.
(3) رواه الطبراني .